اللهجة وِسَامٌ أم وَسْم؟

ولكن في الخرطوم والمدن الكبرى الأخرى، يمكن أن يؤدي هذا التنوع اللغوي في بعض الأحيان إلى الانقسام. يمكن أن تصبح اللهجات مصدرًا للاستبعاد. قد يتعرض أولئك الذين يتحدثون بلهجات مختلفة للسخرية، والتشكيك في تعليمهم والتشكيك في ذكائهم لخلق شعور بالتهميش والاستبعاد.

اقرأ المزيد
معرض الصور
No items found.
Pointing at Speaker
نُشر بتاريخ
23/10/25
المؤلف:
فاطمة عبد الله الكناني
المحرر:
سارة النقر
المحرر:
سارة النقر
مأمون التلب
المترجم:
المترجم:
نبيل محمد نور طه
النتيجة

  /  

العب مرة أخرى

  /   الاجابات

اللهجة وِسَامٌ أم وَسْم؟

عن اللّهجة كأداة انتماء وإقصاء وصمود

اللهجة بين الانتماء والإقصاء

عند الحديث عن "اللهجة السودانية"، غالبًا ما يُشار إلى لهجة الوسط -لهجة الخرطوم والمناطق المتاخمة لها- بوصفها "العربية السودانية القياسية"، في حين أن هناك عشرات اللهجات الأخرى التي يتحدّث بها السودانيون؛ من لهجات النوبة والفور والزغاوة، إلى لهجات البجا والمساليت وغيرها. هذه اللهجات تحمل معها ثقافات عريقة، وأشكالاً من الحكمة الشعبية، والغناء، والطرائف، والتاريخ الشفهي.

لكن ورغم هذا التنوع، تُستخدم اللهجة أحياناً كوسيلة تمييز وإقصاء. في المدن الكبرى، وعلى رأسها الخرطوم، يتعرض كثير من المتحدثين بلهجات غير سائدة للسخرية أو التشكيك في تعليمهم وقدراتهم، مما قد يؤدي لشعورٍ بالتهميش والإقصاء.

أذكر أنني تعرّفت قبل أعوام على صديقة تنحدر من إحدى القبائل العربية في شرق السودان، وقد لفَت انتباهي منذ لقائنا الأول استخدامها الدائم لنون النسوة في حديثها اليوميّ، حتى في المزاح والحديث العابر، ودون اللجوء إلى الفصحى التي طالما وُصفت بالجمود. كانت نونها حاضرة في كل جملة تقريباً، وأحيانًا تخرج عن مواضعها في العربية الفصيحة لتصف أو تخاطب مذكّراً. لم أسألها يوماً عن أصل ذلك، لكنني لاحظت أن بيننا من كان يستنكر هذه الميزة، أو يحاكيها بشيءٍ من الازدراء، وكأننا اتفقنا ضمنيّاً على أن اللهجة البيضاء لها كل الإجلال دون غيرها. بالنسبة إليّ، كانت هذه النون علامة جمال وثراء لغويّ، لكنها بالنسبة لها كانت أحياناً باعثاً على شعور بالاغتراب، إذ اصطدمتْ بعالم لا يحبّذ الاحتفاء بالفروق، وبدأتُ ألاحظ اختفاء نون النسوة من قاموسها رويداً رويداً كلما التقينا، علاوةً على اختفاء الكثير مما ميَّز لهجتها، والذي سرعان ما يعود بحلة جميلة إن زُرنا أفراد عائلتها في الأعياد.

هذا التذبذب بين الفخر باللهجة والضغط للتخلي عنها يكشف قدرة الاختلافات اللغوية على أن تصبح موضع إقصاء، حتى وهي تحمل في طياتها إرثاً ثقافيّاً أصيلاً.

اللهجة كأداة صمود

رغم كل هذا، تبقى اللهجة السودانية -وهنا أشير لها بالمعنى الواسع- أيضاً وسيلة مقاومة في وجه محاولات التذويب الثقافي، إذ يصرّ الكثيرون على التحدث بلغاتهم ولهجاتهم، وينقلونها لأبنائهم، ويستخدمونها في الشعر، والغناء، والمسرح، وفي النقاشات اليومية. أصبحت بعض هذه اللهجات رموزاً للصمود في وجه التهميش، وطريقة للتشبث بالهوية في زمن تملؤه التقلّبات.

حتى في مدن النزوح واللجوء، نجد المهجّرين السودانيين يتحدثون بلهجاتهم، يخلقون بها مجتمعهم الصغير، ويعيدون تخيّل عالمهم بلغتهم الخاصة. خلال مقابلاتي مع نساء نزحَن من الخرطوم إلى القاهرة وتربطهن صداقة بعائلتي ازدهرت حديثاً -لاحظت قاسماً مشتركاً بين الأكبر سناً منهنّ: بداية الحوار يسودها الحذر، يعقبها ارتخاء تدريجي حين يدركن أن اللهجة التي يتحدثن بها هنا، وفي هذه المساحة تحديداً، مقبولة، وأن تشجيعي لتعبيرهنّ عن ذواتهن هو مجرد محاولة للتأريخ وليست مدعومة من أي جهة قد لا يعجبها واقع ما يجابهن.

بدأ بعضهن بالتنويه -والإشارة في آن واحد- إلى الامتنان لأهل البلد المضيف، لكنهن اعترفن كلما استَفِضنا في الحديث بأنهنّ يضطررن أحياناً لاستخدام لهجة البلد لتسهيل التعاملات اليومية. أخريات تحدثن عن مواقف طريفة ومفاجآت لغوية كانت نتيجة الاحتكاك بلهجة جديدة، حتى أن بعضهن استذكر مقاطع مرحة تعرض ما يمررن به، يشاركنها مع الأهل والأصدقاء للتخفيف من وطأة الاغتراب. ومن بين العبارات التي تكرَّرت في أكثر من مقابلة، كانت عبارة "الفهم بالمعنى العام" لتَصِفَ لحظة الانتقال من اللهجة المحلية إلى العربية الفصحى في مواقف معيَّنة، وهي ممارسة كَشَفت أن التمسك باللهجة لم يكن دوماً فعل تمرّد، بل أحياناً اختياراً مَرِناً يوازن بين الحفاظ على الهوية والاندماج في بيئة جديدة.

وَجَدتُ نفسي أقف واستدرك، لمَ لجأتُ أنا لل 1code switching فور وصولي للقاهرة قبل ما يقارب الخمس سنوات؟

أثناء إجرائي للمقابلات السالف ذكرها، أُجبرت على مواجهة أسئلتي ذاتها من زاوية أخرى: لماذا بدأت أستخدم -فوراً-  لهجة مصرية بيضاء رغم عدم تحدثي بها قبل تلك الآونة؟ وعدم وجود ارتباط وثيق بيني وبين مصر؟.

بدأتُ مرحلة جديدة في بحثي.. أسأل فيها أصدقائي ممن ولدوا وترعرعوا في دول الخليج العربي، مثلي، عن سبب امتناعهم عن الحديث باللهجة السودانية أثناء إقامتنا هنا. ورغم طبيعة الأسئلة -التي لا ترقى لوصف المقابلة- الودية، ساد الصمت طاولتنا، بينما صدحت أصوات آلات تحضير القهوة حتى قاطعها رد أحد أصدقائي "مدري"2، وبشكلٍ ما، كانت تلك إجابتي.

اعتيادنا على استخدام لهجة مغايرة فور خروجنا من منازلنا منذ نعومة أظافرنا انتقل عبر البحر الأحمر دون تذاكر طيران أو تأشيرات دخول، وقمنا فقط بما بدى مألوفاً بحكم طبيعة حياتنا في المهجر؛ أن نحاول أن نُفهَم من حاملي جنسيات مختلفة نتعامل معهم بشكل يومي.

كان سبب إجادتنا للهجة المصرية بمستوى يتيح تواصلاً فعالاً مع السكان المحليين، رغم أن معظمنا لم يَزُر مصر قط من قبل، هو استهلاكنا المكثّف منذ الطفولة لزخم كبير من الإنتاجات التلفزيونية المصرية، سواء كانت أفلاماً تُعرض على قنوات فضائية بعينها أو مسلسلات تمتدّ لعدة مواسم وتُبث سنوياً في مواقيت ثابتة. ومع مرور السنوات، أصبحت أصوات الممثلين، وإيقاعات الحوار، وحتى النكات المتداولة في تلك الأعمال، جزءاً من قاموسنا اليومي، مما جعل الانتقال لاستخدام لهجة مصرية "بيضاء" في الحياة الواقعية أمراً يبدو بديهيّاً أكثر منه اختياراً واعياً. وهذا يفتح الباب أمام فكرة أوسع: إذا كان هذا التأثير الواسع قد جعل لهجة غير لهجتنا مألوفة لنا إلى هذا الحد، فما الذي يمكن أن تحققه الأعمال التجارية إذا قدمت اللهجة السودانية بالصورة نفسها؟.

ففي نهاية المطاف، لا يمكن تجاهل الدور الذي يمكن أن تلعبه الإنتاجات التلفزيونية التجارية -تحديداً لمدة عرضها الطويلة نسبياً وطبيعتها المناسبة للعائلات بشكل عام- في نشر اللهجة السودانية وتعزيز حضورها في الفضاء العربي. حين تُعرض شخصيات تتحدث بلهجة ما في أعمال ناجحة وواسعة الانتشار، فإن تلك اللهجة تتحول إلى لغة مألوفة لجمهور واسع، مما يسهل تقبلها ويمنح متحدثيها شعوراً بأنهم مفهومون إلى حدٍّ كبير من بقية الجنسيات. وقد شهدنا سابقاً كيف ساهمت مسلسلات عربية شهيرة امتدت لسنوات في ترسيخ لهجات بعينها وجعلها جزءاً من المشهد الثقافي المشترك. إذا نُقلت اللهجة السودانية بهذا الشكل فستمسي وسيلة لترسيخ صورة أكثر شمولاً وتنوّعاً عن السودان في الوعي الجمعي العربي، مما سيؤدي إلى شعور أقل بالتغريب والحاجة للتفسير أو "الترجمة" أو اللجوء للفصحى للتواصل والتعبير عن الذات.

صورة الغلاف من تصوير عصام عبد الحفيظ

1 يشير مصطلح “التناوب اللغوي” إلى تغيير الشخص للغات أو اللهجات خلال محادثة واحدة، وأحيانًا حتى أثناء جملة واحدة فقط. هذا المفهوم في علم اللغة الاجتماعي - ويُشار إليه أحيانًا أيضًا باسم “مزج الشفرات” - ينطبق على كل من المتحدثين أحاديي اللغة وثنائيي اللغة.

المصدر: MasterClass, ‘Code-Switching: What Does It Mean?’ (MasterClass, 2 February 2024) https://www.masterclass.com/articles/code-switching.

2 تعني لا أدري باللهجة السعودية البيضاء.

No items found.
نُشر بتاريخ
23/10/25
المؤلف:
فاطمة عبد الله الكناني
Editor
سارة النقر
المحرر:
مأمون التلب
المترجم:
Translator
نبيل محمد نور طه

اللهجة وِسَامٌ أم وَسْم؟

عن اللّهجة كأداة انتماء وإقصاء وصمود

اللهجة بين الانتماء والإقصاء

عند الحديث عن "اللهجة السودانية"، غالبًا ما يُشار إلى لهجة الوسط -لهجة الخرطوم والمناطق المتاخمة لها- بوصفها "العربية السودانية القياسية"، في حين أن هناك عشرات اللهجات الأخرى التي يتحدّث بها السودانيون؛ من لهجات النوبة والفور والزغاوة، إلى لهجات البجا والمساليت وغيرها. هذه اللهجات تحمل معها ثقافات عريقة، وأشكالاً من الحكمة الشعبية، والغناء، والطرائف، والتاريخ الشفهي.

لكن ورغم هذا التنوع، تُستخدم اللهجة أحياناً كوسيلة تمييز وإقصاء. في المدن الكبرى، وعلى رأسها الخرطوم، يتعرض كثير من المتحدثين بلهجات غير سائدة للسخرية أو التشكيك في تعليمهم وقدراتهم، مما قد يؤدي لشعورٍ بالتهميش والإقصاء.

أذكر أنني تعرّفت قبل أعوام على صديقة تنحدر من إحدى القبائل العربية في شرق السودان، وقد لفَت انتباهي منذ لقائنا الأول استخدامها الدائم لنون النسوة في حديثها اليوميّ، حتى في المزاح والحديث العابر، ودون اللجوء إلى الفصحى التي طالما وُصفت بالجمود. كانت نونها حاضرة في كل جملة تقريباً، وأحيانًا تخرج عن مواضعها في العربية الفصيحة لتصف أو تخاطب مذكّراً. لم أسألها يوماً عن أصل ذلك، لكنني لاحظت أن بيننا من كان يستنكر هذه الميزة، أو يحاكيها بشيءٍ من الازدراء، وكأننا اتفقنا ضمنيّاً على أن اللهجة البيضاء لها كل الإجلال دون غيرها. بالنسبة إليّ، كانت هذه النون علامة جمال وثراء لغويّ، لكنها بالنسبة لها كانت أحياناً باعثاً على شعور بالاغتراب، إذ اصطدمتْ بعالم لا يحبّذ الاحتفاء بالفروق، وبدأتُ ألاحظ اختفاء نون النسوة من قاموسها رويداً رويداً كلما التقينا، علاوةً على اختفاء الكثير مما ميَّز لهجتها، والذي سرعان ما يعود بحلة جميلة إن زُرنا أفراد عائلتها في الأعياد.

هذا التذبذب بين الفخر باللهجة والضغط للتخلي عنها يكشف قدرة الاختلافات اللغوية على أن تصبح موضع إقصاء، حتى وهي تحمل في طياتها إرثاً ثقافيّاً أصيلاً.

اللهجة كأداة صمود

رغم كل هذا، تبقى اللهجة السودانية -وهنا أشير لها بالمعنى الواسع- أيضاً وسيلة مقاومة في وجه محاولات التذويب الثقافي، إذ يصرّ الكثيرون على التحدث بلغاتهم ولهجاتهم، وينقلونها لأبنائهم، ويستخدمونها في الشعر، والغناء، والمسرح، وفي النقاشات اليومية. أصبحت بعض هذه اللهجات رموزاً للصمود في وجه التهميش، وطريقة للتشبث بالهوية في زمن تملؤه التقلّبات.

حتى في مدن النزوح واللجوء، نجد المهجّرين السودانيين يتحدثون بلهجاتهم، يخلقون بها مجتمعهم الصغير، ويعيدون تخيّل عالمهم بلغتهم الخاصة. خلال مقابلاتي مع نساء نزحَن من الخرطوم إلى القاهرة وتربطهن صداقة بعائلتي ازدهرت حديثاً -لاحظت قاسماً مشتركاً بين الأكبر سناً منهنّ: بداية الحوار يسودها الحذر، يعقبها ارتخاء تدريجي حين يدركن أن اللهجة التي يتحدثن بها هنا، وفي هذه المساحة تحديداً، مقبولة، وأن تشجيعي لتعبيرهنّ عن ذواتهن هو مجرد محاولة للتأريخ وليست مدعومة من أي جهة قد لا يعجبها واقع ما يجابهن.

بدأ بعضهن بالتنويه -والإشارة في آن واحد- إلى الامتنان لأهل البلد المضيف، لكنهن اعترفن كلما استَفِضنا في الحديث بأنهنّ يضطررن أحياناً لاستخدام لهجة البلد لتسهيل التعاملات اليومية. أخريات تحدثن عن مواقف طريفة ومفاجآت لغوية كانت نتيجة الاحتكاك بلهجة جديدة، حتى أن بعضهن استذكر مقاطع مرحة تعرض ما يمررن به، يشاركنها مع الأهل والأصدقاء للتخفيف من وطأة الاغتراب. ومن بين العبارات التي تكرَّرت في أكثر من مقابلة، كانت عبارة "الفهم بالمعنى العام" لتَصِفَ لحظة الانتقال من اللهجة المحلية إلى العربية الفصحى في مواقف معيَّنة، وهي ممارسة كَشَفت أن التمسك باللهجة لم يكن دوماً فعل تمرّد، بل أحياناً اختياراً مَرِناً يوازن بين الحفاظ على الهوية والاندماج في بيئة جديدة.

وَجَدتُ نفسي أقف واستدرك، لمَ لجأتُ أنا لل 1code switching فور وصولي للقاهرة قبل ما يقارب الخمس سنوات؟

أثناء إجرائي للمقابلات السالف ذكرها، أُجبرت على مواجهة أسئلتي ذاتها من زاوية أخرى: لماذا بدأت أستخدم -فوراً-  لهجة مصرية بيضاء رغم عدم تحدثي بها قبل تلك الآونة؟ وعدم وجود ارتباط وثيق بيني وبين مصر؟.

بدأتُ مرحلة جديدة في بحثي.. أسأل فيها أصدقائي ممن ولدوا وترعرعوا في دول الخليج العربي، مثلي، عن سبب امتناعهم عن الحديث باللهجة السودانية أثناء إقامتنا هنا. ورغم طبيعة الأسئلة -التي لا ترقى لوصف المقابلة- الودية، ساد الصمت طاولتنا، بينما صدحت أصوات آلات تحضير القهوة حتى قاطعها رد أحد أصدقائي "مدري"2، وبشكلٍ ما، كانت تلك إجابتي.

اعتيادنا على استخدام لهجة مغايرة فور خروجنا من منازلنا منذ نعومة أظافرنا انتقل عبر البحر الأحمر دون تذاكر طيران أو تأشيرات دخول، وقمنا فقط بما بدى مألوفاً بحكم طبيعة حياتنا في المهجر؛ أن نحاول أن نُفهَم من حاملي جنسيات مختلفة نتعامل معهم بشكل يومي.

كان سبب إجادتنا للهجة المصرية بمستوى يتيح تواصلاً فعالاً مع السكان المحليين، رغم أن معظمنا لم يَزُر مصر قط من قبل، هو استهلاكنا المكثّف منذ الطفولة لزخم كبير من الإنتاجات التلفزيونية المصرية، سواء كانت أفلاماً تُعرض على قنوات فضائية بعينها أو مسلسلات تمتدّ لعدة مواسم وتُبث سنوياً في مواقيت ثابتة. ومع مرور السنوات، أصبحت أصوات الممثلين، وإيقاعات الحوار، وحتى النكات المتداولة في تلك الأعمال، جزءاً من قاموسنا اليومي، مما جعل الانتقال لاستخدام لهجة مصرية "بيضاء" في الحياة الواقعية أمراً يبدو بديهيّاً أكثر منه اختياراً واعياً. وهذا يفتح الباب أمام فكرة أوسع: إذا كان هذا التأثير الواسع قد جعل لهجة غير لهجتنا مألوفة لنا إلى هذا الحد، فما الذي يمكن أن تحققه الأعمال التجارية إذا قدمت اللهجة السودانية بالصورة نفسها؟.

ففي نهاية المطاف، لا يمكن تجاهل الدور الذي يمكن أن تلعبه الإنتاجات التلفزيونية التجارية -تحديداً لمدة عرضها الطويلة نسبياً وطبيعتها المناسبة للعائلات بشكل عام- في نشر اللهجة السودانية وتعزيز حضورها في الفضاء العربي. حين تُعرض شخصيات تتحدث بلهجة ما في أعمال ناجحة وواسعة الانتشار، فإن تلك اللهجة تتحول إلى لغة مألوفة لجمهور واسع، مما يسهل تقبلها ويمنح متحدثيها شعوراً بأنهم مفهومون إلى حدٍّ كبير من بقية الجنسيات. وقد شهدنا سابقاً كيف ساهمت مسلسلات عربية شهيرة امتدت لسنوات في ترسيخ لهجات بعينها وجعلها جزءاً من المشهد الثقافي المشترك. إذا نُقلت اللهجة السودانية بهذا الشكل فستمسي وسيلة لترسيخ صورة أكثر شمولاً وتنوّعاً عن السودان في الوعي الجمعي العربي، مما سيؤدي إلى شعور أقل بالتغريب والحاجة للتفسير أو "الترجمة" أو اللجوء للفصحى للتواصل والتعبير عن الذات.

صورة الغلاف من تصوير عصام عبد الحفيظ

1 يشير مصطلح “التناوب اللغوي” إلى تغيير الشخص للغات أو اللهجات خلال محادثة واحدة، وأحيانًا حتى أثناء جملة واحدة فقط. هذا المفهوم في علم اللغة الاجتماعي - ويُشار إليه أحيانًا أيضًا باسم “مزج الشفرات” - ينطبق على كل من المتحدثين أحاديي اللغة وثنائيي اللغة.

المصدر: MasterClass, ‘Code-Switching: What Does It Mean?’ (MasterClass, 2 February 2024) https://www.masterclass.com/articles/code-switching.

2 تعني لا أدري باللهجة السعودية البيضاء.